تُوصَف الأطر العالمية للحماية بأنها "مرتكزة على الناجيات والناجين"، لكنها، في الممارسة، كثيرًا ما تُعيد إنتاج الهياكل الهرمية ذاتها التي تسعى لتفكيكها. كما تشير الدكتورة نوف ناصر الدين، المديرة الشريكة في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان (CTDC)، في فصلها المعنون "الوكالة على الذات والأثر في الحماية من الاستغلال والإساءة: فهم الوكالة على الذات من منظور تقاطعي عابر للأوطان"، المنشور في كتاب الاستغلال والإساءة الجنسية في عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية (منشورات جامعة بريستول، 2024)، فإن الإشكالية لا تكمن فقط في تصميم السياسات، بل في كيفية فهمنا لمفاهيم الوكالة على الذات، والأثر، والقوة.
ورغم أن الفصل يركّز على الحماية من الاستغلال والإساءة الجنسية (PSEA)، فإن استنتاجاته تتجاوز هذا الإطار لتطال ممارسات الحماية عمومًا، إذ يتحدّى الطريقة التي تُفهم بها أطر الحماية المؤسسية لمفاهيم الناجيات والناجين، والمساءلة، والعدالة، داعيًا إلى مقاربة أكثر تقاطعية، وحساسة للسياق، ومُدركة للأثر العاطفي والاجتماعي في العمل.
🌍 لماذا تعجز النُهج الحالية في الحماية؟
صُمِّمت العديد من أطر الحماية الحالية في الشمال العالمي، وانطلقت من افتراض أن الناجيات والناجين يتشاركون الخبرات والاحتياجات وفهم العدالة ذاته. إلا أن هذا الافتراض يؤدي عمليًا إلى:
تعميم التجارب، وإلغاء الفوارق الاجتماعية والعاطفية والاقتصادية.
استجابات معيارية تحوّل المساعدة إلى قوائم خدمات بدلاً من أن تكون مسارًا نحو العدالة.
تهميش الأثر، بإقصاء البُعد العاطفي والوجداني لكل من الناجيات والناجين والعاملين والعاملات في المجال.
إن هذه المحددات تُعيد إنتاج اللامساواة، وتنزع من الناجيات والناجين الوكالة على الذات التي تزعم أطر الحماية أنها تسعى إلى استعادتها.
✊🏽 فهم الوكالة على الذات من منظور تقاطعي عابر للأوطان
ترى الدكتورة نوف ناصر الدين الوكالة على الذات ضمن ديناميكيات تقاطعية، وواقع مادي، وأثر، داعيةً العاملين والعاملات إلى فهم الاستغلال والإساءة الجنسية بوصفهما نتاجًا لمنظومات متداخلة من القوة كالاستعمار، والأبوية، والعنصرية، والتمييز الطبقي.
ومن هذا المنظور، لا تتعلق الوكالة على الذات بالقدرة الفردية على الصمود فحسب، بل بقدرة الأفراد والمجتمعات على مواجهة القيود البنيوية ومقاومتها. ومن هنا، يتعيّن على الممارسة الحقيقية للحماية أن تعترف بـ:
أنّنا جميعاً منغمسين ومنغمسات في علاقات القوى، وأنّ كل فاعل/فاعلة وناجٍ/ناجية أو موظف/ة أو مانح/ة، يشغل موقعًا مختلفًا في هرميات القوى.
أهمية التضامن العابر للأوطان، القائم على الإصغاء، والتواضع، والمسؤولية المشتركة.
الدور المحوري للأثر بوصفه بُعدًا تحليليًا وأخلاقيًا في العمل على الحماية.
💡 توصيات عملية
تطوير الأطر بالشراكة مع المجتمعات، لا عنها: يجب تصميم أنظمة الحماية بشكل تشاركي يعكس تجارب وأولويات الأشخاص الذين يُفترض أن تحميهم.
دمج الأثر في الممارسة: ينبغي الاعتراف بأنّ الأثر، بمستوياته العاطفية والاجتماعية، يؤثر في القرارات والاستجابات والتواصل، وخلق مساحات للتفكير في الأثر ضمن التدريب، وإدارة الحالات، وثقافة العمل.
رفض النماذج الموحدة: على استجابات الحماية أن تراعي السياقات المحلية والعوامل المتقاطعة، كالنوع الاجتماعي، والطبقة، والموقع الجغرافي، بدلاً من فرض قوالب امتثال جامدة.
إعادة تصور العدالة كعملية مستمرة: العدالة ليست نتيجة نهائية، بل ممارسة مستمرة للاعتراف، والإصلاح، والمشاركة، تُعرَّف من قبل الناجيات والناجين أنفسهم-ن.
وضع الوكالة على الذات في قلب أنظمة الحماية: يجب أن تُوجّه الوكالة على الذات تعريفات "الحماية" و"المساءلة"، بما يضمن أن تكون الناجيات والناجون شركاء حقيقيين في صياغة التغيير لا مجرد مستشارين رمزيين.
🌱 من السياسة إلى الممارسة
تُذكّرنا الدكتورة نوف ناصر الدين بأنّ الحماية علاقة، لا نموذجًا إجرائيًا. فهي لا تُختزل في التقارير أو القوائم أو التدقيق. تبدأ المساءلة من كيفية فهم المؤسسات للقوى والأثر، وتفاعلها مع تجارب المتأثرين والمتأثرات بها.
إن دمج مفهومي الوكالة على الذات والأثر في عمل الحماية يحوّل الامتثال إلى رعاية، والسياسات إلى ممارسة حقيقية. وبهذا، تتحول الحماية من التزام بيروقراطي إلى مسار نحو عدالة تحوّيلية، عدالة تُعالج وتُدرِج وتُعيد الكرامة.
تواصلوا معنا
لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!