على مدى سنوات، التزمت منظمات دولية عديدة بجعل أنظمتها للحماية "حساسة ثقافيًا". لكن غالبًا ما اقتصر هذا على تعديل اللغة أو الإجراءات دون مواجهة البُنى الهيكلية الأعمق التي تسمح بحدوث الاستغلال أو التمييز أو الإساءة.
كما توضح الدكتورة نُور أبو عَصَب، المديرة الشريكة في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان (CTDC)، في فصلها "من الحساسية الثقافية إلى الحساسية الهيكلية" المنشور ضمن كتاب "الاستغلال والاعتداء الجنسي في عمليات حفظ السلام والمساعدات الإنسانية"(منشورات جامعة بريستول، 2024)، فإن الحماية لا يمكن اختزالها في الوعي الثقافي.
بل تتطلّب وعيًا هيكليًا، أي فهمًا عميقًا لكيفية تشكّل القوة والامتياز واللامساواة ضمن الأنظمة والممارسات والافتراضات التي تحكم عملنا.
🌱 ضرورة الحساسية الهيكلية
عندما يُركَّز على "الثقافة" فقط، قد تُستخدم أحيانًا لتبرير أو تطبيع ممارسات ضارّة — كالعنف القائم على النوع الاجتماعي أو التحرّش أو الاستغلال، والتي قد تُفسّر باعتبارها "اختلافات ثقافية".
أما الحساسية الهيكلية فتنقل النقاش من الثقافة إلى القوة.
فهي تدعونا لأن نسأل:
كيف تؤثر البُنى الأبوية، والطبقية، والعِرقية، والإرث الاستعماري، والأنظمة القانونية على الهشاشة أو إسكات الناجين والناجيات؟
كيف تُعيد الهياكل المؤسسية والمعايير الإدارية إنتاج الأذى داخل المنظمات؟
من تُسمَع أصواتهم في تعريف "الاستجابة المناسبة"، ومن يُستبعد من هذا التعريف؟
تدفع الحساسية الهيكلية العمل على الحماية إلى ما وراء الوعي بالسياق، نحو تحليل القوة، أي فهم كيف تتفاعل البُنى المحلية والعالمية لتشكيل واقع الناس وتجاربهم.
💡 أسئلة تأملية للممارسين والممارسات
تدعو الدكتورة أبو عَصَب العاملين والعاملات في مجال الحماية إلى الانتقال من التركيز على الإجراءات إلى التفكير النقدي والانعكاس الذاتي، ومن الامتثال إلى الوعي.
فالحماية الحقيقية تبدأ حين نسأل كيف نعرف؟ وكيف نقرّر؟ وكيف نتصرف؟
فيما يلي بعض الأسئلة التي يمكن أن يسترشد بها الممارسون والممارسات:
1. على مستوى المعرفة (الإبستمولوجيا)
كيف أُكوّن معرفتي بهذا السياق أو بهذه المجتمعات؟
ما الافتراضات التي تُشكّل فهمي للمخاطر أو الأذى؟
من تُوضَع تجاربه ومعرفته في مركز التحليل، ومن يُهمَّش؟
2. على مستوى الهياكل (الأنطولوجيا)
ما هي الهياكل الهيكلية للقوة التي تؤثر في هذه الحالة — القانونية، الاقتصادية، الاجتماعية، العلاقاتية أو المؤسسية؟
كيف تتقاطع هذه الهياكل عبر الحدود أو داخل المؤسسات؟
أين تكمن القدرة على الفعل (الوكالة)، وكيف يمكن للناجين ممارستها؟
3. على مستوى الممارسة
هل يُعزز إطار الحماية لدينا العدالة أم يُعيد إنتاج الهرميات الموجودة؟
هل تعكس سياساتنا الداخلية العدالة التي ندعو إليها خارجيًا؟
هل تُصمَّم استجاباتنا مع الناجين وليس فقط من أجلهم؟
🧭 من الثقافة إلى الهيكل
أن نكون حساسين وحساسات هيكليًا يعني أن ندرك أن الإساءة ليست فعلًا فرديًا معزولًا، بل انعكاسٌ لبُنى أوسع من اللامساواة.
فأي تحقيق أو شكوى أو مراجعة لسياسات الحماية يجب أن تأخذ بعين الاعتبار تقاطعية البُنى: النوع الاجتماعي، الطبقة، العِرق، الجغرافيا، والثقافة المؤسسية.
ويعني ذلك عمليًا:
تحليل ديناميكيات القوة داخل الفرق والمجتمعات والمنظمات الشريكة.
تفسير الشكاوى ضمن السياق بدل تطبيق استجابات موحّدة.
الاستثمار في التضامن العابر للأوطان، إدراكًا بأن أنماط القمع تعمل عبر الحدود.
دمج التأمل والتعلّم المستمر ضمن أنظمة الحماية، بوصفهما جزءًا أساسيًا لا إضافة شكلية.
✳️ نحو حماية تحوّلية
تدعو الحساسية الثقافية إلى احترام الاختلاف، أما الحساسية الهيكلية فتنادي بـ العدالة.
إنها تتطلّب من الممارسين والممارسات والمؤسسات أن يروا الحماية لا كحلٍّ تقني، بل كعملية سياسية وأخلاقية وعلاقاتية مستمرة.
إنها تتطلب التواضع والفضول والشجاعة لكيلا نسأل عن "ماذا حدث؟" وحسب، بل لكي نسأل "ما الذي سمح ومكن هذا الحدث من الحدوث؟"
"الانتقال من الثقافة إلى الهيكل ليس صعبًا،" تكتب الدكتورة نُور أبو عَصَب، "إنه ببساطة يتطلّب أن نعيد النظر في الكيفية التي نفهم بها العالم وموقعنا نحن داخله".
🌍 في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان (CTDC)
ندعم المؤسسات والمنظمات في دمج الحساسية الهيكلية ضمن أطر الحماية، ومساعدة فرقها على الانتقال من السياسات إلى الممارسة، ومن الوعي الثقافي إلى الفهم البنيوي العميق للعدالة والمساءلة.
📩 تواصلوا معنا لاستكشاف كيف يمكن لـ CTDC أن يساعد مؤسستكم في بناء أنظمة حماية أكثر شمولًا وعدالة وتحولًا.
تواصلوا معنا
لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!