Research 1 Research 2 Research 3

التعلّم الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي — الجزء الثالث

استُخدِم الاعتماد منذ زمن طويل بوصفه مؤشّراً على الشرعية في التعليم. وتعتمد الجامعات، ومراكز التدريب، والمعاهد على هيئات الاعتماد من أجل التحقّق من جودة برامجها، وضمان طمأنة المتعلّمات والمتعلّمين إلى أنّ المحتوى يستوفي المعايير المتّفق عليها.

غير أنّ معنى الاعتماد بات أكثر التباساً على نحوٍ متزايد في يومنا هذا. فقد أسهمت المواقع الإلكترونية المُولَّدة بالذكاء الاصطناعي، والمعاهد التي لا تمتلك سجلاً قابلاً للتتبّع، ومزوّدو التعلّم القادرون على الظهور بمظهر «راسخ» بين ليلة وضحاها، جميعاً في تعميق حالة ارتباكٍ متنامية: ماذا يضمن الاعتماد فعلياً؟

في أسواق التعلّم المُشبَعة بالذكاء الاصطناعي، يظلّ الاعتماد مهمّاً، لكن بشرط أن تفهم المتعلّمات والمتعلّمين نوع الاعتماد الذي تحمله المؤسّسة، وكيف جرى الحصول عليه، وما الذي يشمله تحديداً. ومن دون هذا الوضوح، قد تتحوّل الشارات والشعارات إلى عناصر زينة، لا إلى إشارات ذات معنى على جودة التعليم.

تستكشف هذه المدوّنة الثالثة ضمن سلسلة مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان (CTDC) — «التعلّم الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي» — كيف يعمل الاعتماد اليوم، وما الذي ينبغي للمتعلّمات والمتعلّمين الانتباه إليه، وكيف تتيح البصمات الرقمية رؤية أعمق لمدى جدارة أيّ دورة بالثقة.

🌱 تضخّم الشعارات: لماذا يبدو الاعتماد في كلّ مكان ولا يبدو في أيّ مكان

كان الاعتماد، في السابق، عملية أكثر شفافية نسبياً. إذ كانت هيئة معترفاً بها تتولّى تقييم المنهاج، والنهج التربوي، والحوكمة المؤسّسية، وآليات ضمان الجودة لدى مزوّد التعليم.

اليوم، غير أنّ المشهد مزدحم بجهات من قبيل:

  • مجالس اعتماد عالمية» بلا حضور مؤسّسي يمكن تتبّعه

  • شركات ربحية مبنية على العضوية يُسوَّق لها بوصفها هيئات اعتماد

  • شركات تبيع حِزَم اعتماد من دون مراجعة جوهرية

  • مزوّدون يستخدمون شعارات «انتماءات» بدل الاعتماد الفعلي

  • شارات مُولَّدة بالذكاء الاصطناعي صُمِّمت لمحاكاة مؤسّسات محترمة

لا يعني هذا أنّ الاعتماد فقد قيمته — بل يعني أنّه على المتعلّمات والمتعلّمين التدقيق فيما وراء الشارة.

ليس كل اعتماد متساوياً. وليس كل اعتماد يُصدِّق على المحتوى. وليس كل اعتماد يشير إلى الجودة.

🧩 ما الذي يُقيّمه الاعتماد فعلياً؟ (غالباً ليس ما يتصوّره المتعلّمات والمتعلّمون)

يقع الاعتماد عادة ضمن ثلاث فئات — وهذه الفوارق مهمّة.

١. اعتماد أنظمة التعلّم

تركّز جهات محترمة عديدة على العمليات التنظيمية لا على المحتوى. إذ تُقيِّم:

  • حفظ السجلات

  • أنظمة التقييم

  • آليات الشكاوى

  • إجراءات ضمان الجودة

  • بنية دعم المتعلّمات والمتعلّمين

يؤكّد هذا النوع من الاعتماد أنّ لدى الجهة أنظمة متّسقة — ولا يؤكّد أنّ المحتوى نفسه صارم، أو أخلاقي، أو مُرتكِز إلى السياق.

٢. اعتماد المحتوى والمنهاج

يُقيِّم عدد أقل من الجهات جوهر المادة التعليمية:

  • ترابط المنهاج واتّساقه

  • تصميم التعلّم

  • الأسس النظرية

  • المنهجية التربوية

  • الاعتبارات الأخلاقية

  • السياق وقابلية التطبيق

ويُعدّ هذا أكثر تطلّباً — وبات في عصر الذكاء الاصطناعي أكثر صعوبة على نحوٍ متزايد. إذ تواجه هيئات الاعتماد اليوم تحدّيات غير مسبوقة:

  • كيف يجري التحقّق من الأصالة حين يستطيع الذكاء الاصطناعي توليد محتوى متقدّماً فوراً؟

  • كيف يمكن للمراجعات والمراجعين تقييم العمق حين يتيح الذكاء الاصطناعي اتّساقاً شكلياً سريعاً؟

  • كيف يضمن الاعتماد دقّة السياق حين يُنتَج المحتوى خوارزمياً؟

حتى هيئات الاعتماد الراسخة باتت تتعامل علناً مع هذه الأسئلة.

٣. اعتماد المشاركة فقط

تقدّم بعض الجهات شهادات لا تعني سوى:

«أكملتِ التدريب.» / «أكملتَ التدريب.»

لا تُعدّ هذه مشكلة بحد ذاتها — إذ يبقى المفتاح هو الشفافية. وتبرز الإشكالية حين يُقدَّم هذا النوع من «التصديق» على أنّه مكافئ لاعتماد أكاديمي أو مهني صارم.

🔍 لماذا لا يستطيع الاعتماد وحده ضمان الجودة في عصر الذكاء الاصطناعي

حتى أكثر أنظمة الاعتماد سمعةً تواجه اليوم نقاطاً عمياء:

  • يستطيع الذكاء الاصطناعي إنتاج محتوى متّسق شكلياً
    قد لا ترصد المراجعات والمراجعون سطحيةً مفاهيمية أو أُطراً مستعارة.

  • قد يقدّم المزوّدون مادةً مختلفة للاعتماد عمّا يُقدَّم للمتعلّمات والمتعلّمين
    وبات ذلك أكثر شيوعاً.

  • دورات الاعتماد بطيئة؛ والذكاء الاصطناعي سريع
    قد يتغيّر المحتوى جذرياً بعد إصدار الاعتماد.

  • يصعب تقييم الملاءمة السياقية عالمياً
    قد يبدو منهاجٌ ما متماسكاً على الورق، غير أنّه قد لا يتواءم مع واقع النوع الاجتماعي، أو النزاع، أو الحماية، أو الحوكمة في سياقات بعينها.

  • نادراً ما يكون تحليل البنى وعلاقات القوة جزءاً من معايير الاعتماد
    لا تُراجع معظم هيئات الاعتماد:

  • النقد المناهض للاستعمار

  • النظرية النسوية

  • المناهج التقاطعية

  • التحليل السياسي

  • أخلاقيات الحماية

وعليه، قد تكون دورةٌ ما «معتمدة» ومع ذلك تُعيد إنتاج أُطراً مؤذية، أو منزوعَة التسييس، أو سطحية.

هذا ليس حجّة ضد الاعتماد — بل هو دعوة إلى انخراطٍ نقدي مع ما يعنيه الاعتماد فعلياً.

⚖️ كيف يمكن للمتعلّمات والمتعلّمين تقييم ادعاءات الاعتماد

قد يكون الاعتماد إشارةً قيّمة — لكن بشرط التدقيق فيها. ومن المهمّ هنا العمل على طرح الأسئلة التالية:

١. من الذي اعتمد هذه الدورة؟

هل هيئة الاعتماد:

  • مُسمّاة بوضوح؟

  • يمكن البحث عنها وتتبعها؟

  • مشروعة؟

  • شفّافة بشأن معاييرها؟

٢. ما الذي قيّمته عملية الاعتماد؟

هل كان التقييم:

  • لأنظمة المؤسّسة فقط؟

  • لتصميم المنهاج؟

  • للنهج التربوي؟

  • للأخلاقيات؟

  • لعمق المحتوى؟

٣. هل الاعتماد حديث ومحدّد؟

هل ينطبق على:

  • المؤسّسة بأكملها؟

  • هذه الدورة بعينها؟

  • نسخة أقدم من المنهاج؟

٤. هل يمكن التحقّق من الادعاءات؟

هل تستطيعين وتستطيع أن تتحقّقي وتتحقّق من:

  • موقع هيئة الاعتماد الإلكتروني؟

  • قائمة عامة بالبرامج المعتمدة؟

  • أدلّة على مراجعة دورية؟

٥. هل يسيء المزوّدون استخدام الشعارات؟

تعرض بعض المواقع الإلكترونية:

  • شعارات منظمات لا صلة لها بالاعتماد

  • شعارات دورات حضرها المدرّب أو المدرّبة، لا دورات قدّمها أو قدّمتها

  • أيقونات تشبه الأختام الرسمية

  • «شراكات» لا تتضمن اعتماداً

يُعدّ سوء استخدام الشعارات مؤشّراً إنذارياً فورياً.

🧭 العمر والبصمات الرقمية: النصف الآخر من العناية الواجبة

لا يشكّل الاعتماد سوى جزء من الصورة. كما أنّ تاريخ المؤسّسة — وقابليّة تتبّع أعمالها — لهما أهميّة مماثلة.

١. منذ متى وُجد هذا المزوّد؟

لا يتعلّق الأمر بطول العمر لذاته.
بل يتعلّق بالسجل القابل للتتبّع.

٢. ماذا يكشف تاريخهم الرقمي؟

هل تكشف صفحات التواصل الاجتماعي عن:

  • سنوات من المنشورات؟

  • أدلّة على التيسير أو التسهيل؟

  • مشاركات ومشاركين حقيقيين؟

  • تأمّلات، وتعاونات، ولحظات تعلّم؟

أم أنّ:

  • جميع المنشورات رُفِعت خلال أسبوع واحد؟

  • لا توجد أيّ أشخاص يمكن التعرّف إليهم؟

  • المحتوى ترويجي بالكامل؟

٣. هل توجد أدلّة على تطوّر؟

تُنمّي الجهات عالية الجودة عملها عبر الزمن. ويعكس تاريخها:

  • التعلّم

  • الخبرة الميدانية

  • التحوّلات المنهجية

  • الاستجابة للتغذية الراجعة

٤. هل يمكن رؤية سلالتهم أو نسبهم المعرفي؟

يعمل المربّون والمربّيات الحقيقيون على:

  • الاستشهاد بغيرهم أو بغيرهن

  • نسب الأفكار إلى أصحابها أو صاحباتها

  • البناء على أعمال سابقة

  • الاعتراف بالمجتمعات

وغالباً ما يكون المزوّد الذي لا يمتلك ماضياً فكرياً غير مرجّح أن يمتلك حاضراً فكرياً.

🌍 في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان

في CTDC، نُقِرّ بأنّ الاعتماد قد يكون ذا قيمة حين يكون صارماً، وشفّافاً، وذا معنى — وحين يعكس الجوهر لا الأنظمة فقط.

لكنّ ثقتنا بجودة التعلّم لا تقوم على الشارات وحدها. بل تقوم على:

  • رصيد موثّق من العمل

  • ممارسات وممارسين يمكن التعرّف إليهم أو إليهن

  • اتّساق منهجي

  • تحليل نسوي ومناهض للاستعمار

  • تصميم تعلّم شفّاف

  • شراكات مؤسّسية ومجتمعية ممتدّة زمنياً

  • سجل علني من أدلّة ممارسة قائمة على الخبرة

ومع استعدادنا لإطلاق أكاديميةCTDC، نشجّع المتعلّمات والمتعلّمين على ممارسة العناية الواجبة بشأن جميع الدورات — بما في ذلك دوراتنا.

في سوق مليء بالشعارات، يبقى السؤال الحقيقي:
ما الذي تخبرني هذه الشارة فعلياً عن التعلّم الذي سأتلقّاه؟

📩 تواصلوا معنا لمعرفة المزيد عن أكاديمية CTDC، وفلسفتنا التعليمية، والتزامنا بالتعليم المسؤول والشفّاف في عالم يقوده الذكاء الاصطناعي.  
 

تواصلوا معنا

لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!

"

"