Research 1 Research 2 Research 3

تبدو السرديّةُ السائدةُ حول الذكاءِ الاصطناعيّ في أماكنِ العمل، للوهلةِ الأولى، بسيطةً على نحوٍ خادع؛ إذ يُقال إنّ تغيّرَ الوظائف يفرضُ على الأفرادِ التعلّمَ من جديد أو مواجهةَ خطرِ التهميش. وتُكرّر المنصّاتُ وأربابُ العمل هذا الشعار باستمرار: الاستثمارُ في المهاراتِ التقنيّة، وإتقانُ الأدواتِ الرقميّة، كفيلان بالإبقاء على المستقبلِ مفتوحًا. غير أنّ ما يختبئ خلف هذه السرديّة واقعٌ أشدّ تعقيدًا، يتطلّبُ تمحيصًا نقديًّا وتعاملًا حذرًا.

🛑حدودُ سرديّةِ «إعادة التأهيل»

تُصاغُ معظمُ النقاشاتِ حول الاضطرابِ الذي يُحدثه الذكاءُ الاصطناعيّ بلغةِ الفرص. ولا شكّ في وجودِ حاجةٍ إلى مهاراتٍ جديدة؛ غير أنّ التعاملَ مع إعادةِ التأهيل باعتبارها استجابةً كافية، أو مسألةَ إرادةٍ فرديّةٍ أو قدرةٍ على التكيّف، يُخفي الديناميّاتِ التي تُحدّد من يُدرَج، ومن يُقصى، ومن يتحمّل مخاطرَ التحوّل. وغالبًا ما يُغفَلُ استمرارُ السياساتِ التنظيميّة، وأوجهِ اللامساواةِ المتجذّرة، وأشكالِ الإقصاءِ البنيويّ، حتّى مع تغيّرِ المسميّاتِ الوظيفيّة والمتطلّباتِ التقنيّة.

ولا تتمثّلُ الإشكاليّةُ ببساطةٍ في قدرةِ الأشخاصِ على تعلّمِ استخدامِ أدواتٍ جديدة، بل في مدى عدالةِ النُظُمِ التي يُطلَبُ منهم الاندماجُ فيها، ومدى خضوعِها للمساءلة، وانفتاحِها على التغيير. فغالبًا ما تُغفِلُ أُطُرُ المهاراتِ التقنيّة أشكالَ هشاشةِ العمل وعدمِ الاستقرارِ المهنيّ التي تُميّزُ حياةَ عددٍ كبيرٍ من العاملين والعاملات، ولا سيّما في السياقاتِ التي تتّسمُ بعدمِ الاستقرار أو شُحِّ الموارد. وتكمنُ أهميّةُ ذلك في أنّ التركيزَ على تطويرِ المهاراتِ الفرديّة قد يؤدّي إلى نقلِ المسؤوليّة، بل واللّوم في نهايةِ المطاف، إلى أولئك الأقلّ قدرةً على التأثيرِ في الشروطِ التي يعملون ويعملن ضمنَها.

🏭الذكاءُ الاصطناعيّ بوصفِه فاعلًا في سوقِ العمل، لا أداةً محايدة

ما الذي يفعله الذكاءُ الاصطناعيّ فعليًّا داخلَ أماكنِ العمل والمؤسّساتِ والمنظّمات؟ كثيرًا ما يُتعامَلُ معه باعتبارِه مجموعةَ تقنيّاتٍ محايدة، في انتظارِ استخدامٍ رشيد. غير أنّ الواقعَ يُظهر أنّ الذكاءَ الاصطناعيّ ليس مجرّدَ أداة، بل فاعلًا يشاركُ في إنتاجِ السلطة، واتّخاذِ القرار، وتوزيعِ القيمة، وغالبًا بطرقٍ يصعبُ رصدُها أو الاعتراضُ عليها.

فمن التقييماتِ الآليّة للأداء إلى أنظمةِ التوظيفِ الخوارزميّة، باتت نظمُ الذكاءِ الاصطناعيّ تتوسّطُ المصائرَ المهنيّة، وتُعيدُ رسمَ حدودِ الهويّةِ المهنيّة. ويكمنُ الخطرُ في أن تصبحَ القراراتُ أقلَّ شفافيّة، وأكثرَ صعوبةً في الطعن، وأكثرَ انفصالًا عن السياقِ أو الخبرةِ المعيشة. وعندما يُسلَّمُ تحديدُ القيمةِ وضبطُ إمكانيّاتِ الوصول إلى نظمٍ غامضة، يضيقُ حيّزُ المساءلةِ العلائقيّة وإمكاناتِ الجبرِ والإصلاح.

🌍اضطرابُ المساراتِ المهنيّة عبر السياقات

لا يقتصرُ التحدّي على قطاعِ التكنولوجيا أو صناعاتِ المعرفة. فمن خلالِ عملِ مركزِ التنميةِ والتعاونِ عبرَ الأوطان، يظهرُ أثرُ الذكاءِ الاصطناعيّ والأتمتة ممتدًّا من المؤسّساتِ العامّة في الشمالِ العالميّ إلى المنظّماتِ غير الحكوميّة ومجتمعِ العملِ المدنيّ في الجنوبِ العالميّ. ومع ذلك، فإنّ توزيعَ المخاطرِ والتعرّضِ والفرص ليس متكافئًا على الإطلاق.

في بعضِ السياقات، يُضخّمُ الذكاءُ الاصطناعيّ التراتبيّاتِ القائمةَ ومواطنَ الهشاشة؛ وفي سياقاتٍ أخرى، يفتحُ إمكانيّاتٍ جديدةً للمشاركةِ أو الاعتراف، ولكن نادرًا ما يكون ذلك بشروطٍ عادلة. وبالنسبةِ إلى أولئك الذين يزاولون ويزاولن العملَ في أسواقٍ غير رسميّة أو في أوضاعٍ مهنيّةٍ هشّة، تبدو وعودُ الذكاءِ الاصطناعيّ بوصفِه أداةَ مساواةٍ فارغةَ المضمون. فسياساتُ الأتمتة، في جوهرِها، تُعاشُ على نحوٍ غير متكافئ.

🔄من التقدّمِ المهنيّ إلى إعادةِ تموضعِ المسارِ المهنيّ

ما الذي يعنيه التعاملُ الأخلاقيّ والاستراتيجيّ مع هذا المشهد؟ بدلَ النظرِ إلى التطوّرِ المهنيّ بوصفِه مسارًا خطّيًّا، يقترحُ مركزُ التنميةِ والتعاونِ عبرَ الأوطان مفهومَ «إعادةِ تموضعِ المسارِ المهنيّ»؛ أي عمليّةً مستمرّةً تأمّليّةً تأخذُ في الاعتبار ليس المهاراتِ والمعرفةَ فحسب، بل أيضًا الهويّةَ، والأخلاقيّاتِ، وسياساتِ الانتماء.

تتطلّبُ إعادةُ تموضعِ المسارِ المهنيّ ما هو أبعدُ من التكيّفِ التقنيّ؛ إذ تستدعي من المهنيّين والمهنيّات، والمؤسّسات، والجماعاتِ طرحَ أسئلةٍ جوهريّة حول من تُخدَمُ مصالحُه، ومن يُعترفُ بخبرتِه، وما أشكالُ المساءلةِ التي تظلّ ممكنةً مع تغيّرِ الأدوارِ والمعايير. وهذه ليست مسألةً فرديّة، بل قضيّةٌ بنيويّةٌ علائقيّة.

⚖️ما بعدَ الضجيج: نحوَ ممارسةٍ موجّهةٍ بالعدالة

بالنسبةِ إلى الباحثين والباحثات عن الوضوح وسطَ الضجيجِ والاضطراب، تبرزُ أهميّةُ امتلاكِ لغةٍ تُمكّنُ من حديثٍ صريحٍ عن عدمِ اليقين، والخسارة، والتحوّل. فلا يمكنُ اختزالُ مستقبلِ العمل في قوائمَ بالمهاراتِ المطلوبة أو مؤشّراتِ الإلمامِ الرقميّ. بل يتطلّبُ القدرةَ على تسميةِ المخاطر، وصياغةِ ما هو على المحكّ، وبناءِ أشكالٍ جديدةٍ من المصداقيّة والثقة في أزمنةٍ غير مستقرّة.

تقدّمُ أكاديميّةُ مركزِ التنميةِ والتعاونِ عبرَ الأوطان نقطةَ انطلاقٍ لهذا المسار. فقد صُمّمت برامجُها في إعادةِ تموضعِ المسارِ المهنيّ، ومحوِ الأميّةِ الأخلاقيّة في الذكاءِ الاصطناعيّ، والهويّةِ المهنيّة، لمن يدركون ويدركن أنّ الممارسةَ المسؤولةَ والتغييرَ الخاضعَ للمساءلة لا يمكنُ تحقيقُهما عبرَ اكتسابِ المهاراتِ وحدَه.

إنّ المهمّةَ المقبلةَ ليست مجرّدَ تكيّف، بل إعادةُ تموضع: أي التحركُ بوعيٍ ونزاهةٍ وعنايةٍ داخلَ نُظُمٍ هي نفسها في حالةِ تحوّل.

استكشفوا واستكشفن ما إذا كان نهجُ مركزِ التنميةِ والتعاونِ عبرَ الأوطان مناسبًا لكم ولكُنّ. فهذه ليست رحلةَ امتثالٍ تقنيّ، بل مسارَ توجّهٍ أخلاقيّ ومسؤوليّةٍ جماعيّة. لقد دخلنا عصرَ الذكاءِ الاصطناعيّ؛ ويبقى السؤالُ كيف نختارُ الإبحارَ فيه.

 

تواصلوا معنا

لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!

"

"