Research 1 Research 2 Research 3

التعلّم الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي – الجزء الأول

شهد الحقل التعليمي العالمي خلال العقد الأخير تحوّلات جذرية. فقد انتقلت الجامعات ومراكز الأبحاث والمؤسسات التدريبية والممارسون والممارسات المستقلون نحو التعليم الرقمي بوتيرة متسارعة. تسارعت هذه النقلة خلال جائحة الكورونا، ودخلت اليوم مرحلة جديدة يقودها الذكاء الاصطناعي.

سيواجه أي شخص يفتح منصات التواصل سيلًا من العروض “التعليمية” الجاهزة:

  • "خبرة معتمدة خلال ساعتين."
  • "دورة قيادة معزّزة بالذكاء الاصطناعي."
  • "شهادة عالمية معتمدة — خلال ثلاث ساعات."
  • "التواصل القيادي."
  • "شهادات علاج نفسي شاملة وشهادات توجيه، دون حاجة إلى خبرة مسبقة."

تبدو الواجهات جذابة، واللغة واثقة، والوعود كبيرة.

لكن خلف هذا الخطاب، يُنتج الذكاء الاصطناعي مواد متقنة الشكل، يمكن إعدادها خلال دقائق: من مناهج كاملة إلى شرائح عرض وحملات تسويق ومحاكاة لشهادات وتعليقات متعلّمات ومتعلّمين. في هذا المشهد المشبّع بالمحتوى، يصبح التمييز بين التعلّم الحقيقي والمحتوى الجميل مسألة مرتبطة بالأخلاقيات وبحوكمة التعليم.

يلتقي مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان يوميًا بمؤسسات وممارسين وممارسات استثمروا وقتًا ومالًا وثقة في برامج بدت مقنعة، لكنها افتقرت إلى العمق والمنهجية والسياق والمساءلة. ليست المشكلة في الذكاء الاصطناعي بحدّ ذاته، بل في كيفية استخدامه، وفيما يسمح به عندما يغيب التدقيق النقدي.

يُمهّد هذا النص لسلسلة من خمسة أجزاء بعنوان:
"التعلّم الحقيقي في عصر الذكاء الاصطناعي: كيف نُميّز ما يستحق وقتنا؟"
ونعرض فيه كيف تغيّر القطاع التعليمي، ولماذا تتطلّب بيئة اليوم حرصًا أكبر عند اختيار الدورات التعليمية والتدريبات.

🌱 وهم الوفرة: لا يعني زيادة عدد الدورات زيادة فرص التعلم 

ولّدت الزيادة الهائلة في الدورات الرقمية شعورًا بالوفرة: خيارات أكثر، وصول أسهل، سرعة أكبر. لكن الوفرة لا تعني جودة.

لقد حول الذكاء الاصطناعي من الشكل السطحي للتعليم بشكل كبير ولكنه لم يتمكن بعد من تغيير ماهية وجوهر التعلم الحقيقي.

يستطيع الذكاء الاصطناعي اليوم إنتاج:

  • أدوات شاملة
  • أطر للنوع الاجتماعي والعدالة المؤسسية
  • نماذج متابعة وتقييم جاهزة
  • قواميس للعدالة والتنوع
  • مواد القيادة والتطوير الذاتي
  • مناهج تعتبر “تنموية”، “علاجية”، أو “إرشادية”

لكن كثيرًا من هذه المواد يفتقر إلى:

  • الأساس النظري والمنهجي
  • الوعي الأخلاقي
  • تحليل القوى والهياكل
  • التجربة المادية الملموسة
  • التفسيرات النقدية
  • المنهجية الصارمة

في مجالات مثل الحماية، والعدالة، والعمل مع الناجين والناجيات، والصحة النفسية، والحكم التنظيمي، أو التدريب على القيادة، لا يكون السطحي غير كافٍ فقط، بل قد يكون ضارًا.

فعندما يحلّ الشكل مكان العمق، تُعيد المؤسسات إنتاج أطر منزوعة السياسة والسياق، يمكن أن تكرّس الأذى بدلًا من منعه.

🧠 المحتوى ليس تعلّمًا. والأتمتة ليست تربوية.

تُظهر خبرات المركز في تقييم الأنظمة التعليمية وتصميم مسارات التعلّم أن:
التعلّم لا يُقاس بكمّية المواد، بل بما تُتيحه من تفكير نقدي وفهم وتطبيق.

قد يمنح المحتوى المُعدّ بالذكاء الاصطناعي انطباعًا بـ:

  • أن خطابه ينادي إلى التمكين
  • أن الأطر المقترحة جاهزة ولا تحتاج إلى تعديل
  • أن العمل حساس للصدمات
  • أن الأدوات والنهج صحيحة منهجياً
  • أن معايير الحماية التي يقترحها خالية من الأخطاء

ولكنه غالبًا يفتقر إلى الأسس التي تحوّل المحتوى إلى تعلّم:

  • تفكيك الافتراضات
  • فهم ديناميات القوى
  • ربط المفاهيم بالسياق
  • التفكير الأخلاقي
  • الحوار
  • بناء ممارسات جديدة

فالذكاء الاصطناعي يُسرّع إنتاج المحتوى، لكنه لا يُنتج:

  • ترابطًا منهجيًا
  • تكييفًا سياقيًا
  • نقدًا وتحليلًا
  • تجربة مادية ملموسة
  • مسؤولية أخلاقية

تكمن الخطورة في الخلط وعدم القدرة على التمييز بين "جودة الشكل" و"صرامة المنهجية".

🧩 الذكاء الاصطناعي أداة… مفيدة حين تُوجَّه، ضارة حين تُترك دون مساءلة   

ليست المشكلة في الذكاء الاصطناعي، بل في استخدامه دون إطار تربوي أو نقدي.

يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي مفيدًا عندما يسهم في:

  • ✔ إعداد المسودات كي يتفرغ الميسرون والميسرات للتصميم
  • ✔ تحسين الوصول عبر الترجمة والتبسيط
  • ✔ توفير أمثلة يُعاد ربطها بالسياق على يد الممارسين والممارسات
  • ✔ اقتراح أسئلة تفكيرية
  • ✔ دعم عملية تعلّم تقودها منهجية واضحة

ويصبح ضارًا عندما يُستخدم لـ:

  • ✘ استبدال الميسرين والميسرات بالكامل
  • ✘ إنتاج “دورات كاملة” بلا منهجية
  • ✘ تكرار الأطر السائدة دون نقد
  • ✘ تكريس النماذج الغربية الضيقة
  • ✘ تغليب السرعة والمظهر على الجودة والأخلاق

عندئذٍ لا يوسّع الذكاء الاصطناعي التعليم، بل يُسطّحه.

⚖️ المخاطر: عندما يؤدي ضعف الجودة إلى أذى حقيقي 

ترتفع المخاطر عندما ينتشر التعليم السطحي وقد تشمل:

  • اعتماد الممارسين والممارسات لأدوات غير مناسبة
  • اعتماد أنظمة حماية ضعيفة وتفسيرات خاطئة للأذى
  • الدفع نحو علاقات استخراجية تتعامل مع التعليم كسلعة
  • فقدان الثقة في منظومة التعليم
  • تكريس اللامساواة وإقصاء المعرفة المحلية

ولهذا يصبح التدقيق ضرورة، كما نفعل عند مراجعة أنظمة الحوكمة أو المساءلة.

🔍 لماذا نحتاج إلى تدقيق تعليمي؟  

يُظهر عمل المركز أن كثيرين يعتمدون على السمعة أو جمال التصميم أو توصيات الأصدقاء. لكن عصر الذكاء الاصطناعي يتطلّب أدوات أكثر وضوحًا.

نحتاج إلى تدقيق تعليمي يطرح أسئلة حول:

  • الجهة المصممة للبرنامج
  • المنهجية
  • كيفية حدوث التعلّم
  • تاريخ الجهة المقدِّمة
  • إطار استخدام الذكاء الاصطناعي
  • المرجعية الأخلاقية

لأن التعليم يُشكّل الممارسة، والممارسة تُشكّل حياة الناس.

🌍 في مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان  

يعتمد المركز في تصميم مسارات التعلّم على:

  • منهجيات نسوية تقاطعية ومناهِضة لاستعمار المعرفة
  • تحليل هياكل القوى والأذى
  • خبرات ميدانية حية
  • تربويات نقدية
  • مساءلة علاقاتية
  • حساسية للسياق

ويستخدم الذكاء الاصطناعي ضمن إطار نقدي، شفاف، وإنساني.

ندعو المتعلّمات والمتعلّمين إلى تطبيق المعايير نفسها على عملنا كما على أي عرض تعليمي آخر. فالمساءلة متبادلة.

في عالم غزير بالمحتوى، نستحق عمقًا.
وفي عالم سريع الأتمتة، نستحق مسؤولية.
وفي عالم يقدّم السرعة على الفهم، نستحق معارف مرتبطة بالسياقات.

📩 للتواصل حول خطط أكاديمية مركز التنمية والتعاون عبر الأوطان، ولمعرفة المزيد عن التعليم المسؤول والمرتبط بالعدالة في عصر الذكاء الاصطناعي.

تواصلوا معنا

لديكم أسئلة؟ أفكار؟ رغبة في التعاون؟ نحن هنا ونحب أن نسمع منكم، فلا تترددوا في مدّ جسور التواصل!

"

"